في عالم الاستثمار، لا تبدأ المخاطر عند تنفيذ المشروع، بل غالبًا ما تبدأ قبل ذلك بكثير، وتحديدًا عند اتخاذ القرار الاستثماري الأول. ومن هنا، تصبح دراسة الجدوى ليست مجرد وثيقة شكلية، بل أداة حاسمة تُبنى عليها قرارات مصيرية. ولذلك، فإن اختيار أفضل شركة دراسة جدوى لا يُعد خيارًا ثانويًا، وإنما خطوة أساسية تحدد مسار المشروع بالكامل.
ومع تعدد الجهات التي تقدم خدمات إعداد دراسات الجدوى، واختلاف أسعارها وأساليبها، يجد كثير من المستثمرين أنفسهم أمام تساؤل مشروع: كيف أختار الشريك المناسب فعلًا؟ وهل السعر معيار كافٍ للحكم؟ أم أن الصورة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه؟
في هذا المقال، سنجيب بشكل عملي ومباشر عن أبرز الأسئلة التي تدور في ذهن أي مستثمر، مع توضيح الفروق الحقيقية بين شركات دراسة الجدوى، بعيدًا عن الشعارات التسويقية.
أولًا: لماذا لا يمكن الاستغناء عن شركة دراسة جدوى محترفة؟
في البداية، لا بد من التأكيد على أن دراسة الجدوى ليست ملف أرقام فقط، ولا عرضًا نظريًا للتكاليف والإيرادات. بل على العكس، هي تحليل متكامل يشمل السوق، والمنافسة، والطلب الحقيقي، والهيكل التشغيلي، والجدوى المالية، والمخاطر المحتملة.
ومن هذا المنطلق، فإن أفضل شركة دراسة جدوى هي تلك التي:
- تفهم طبيعة السوق المحلي بعمق،
- وتقرأ الأرقام في سياقها الواقعي،
- وتربط بين التحليل المالي والواقع التشغيلي،
- وتقدّم توصيات قابلة للتنفيذ، لا مجرد افتراضات مثالية.
وبالتالي، فإن الاعتماد على جهة غير مؤهلة قد يؤدي إلى قرارات استثمارية خاطئة، حتى وإن بدت الدراسة “مقنعة” على الورق.
كم متوسط أسعار دراسات الجدوى في السوق؟
في الواقع، لا يوجد رقم ثابت يمكن اعتباره معيارًا مطلقًا، لأن أسعار دراسات الجدوى تختلف بناءً على عدة عوامل، من أبرزها:
- حجم المشروع وتعقيده،
- القطاع الذي ينتمي إليه،
- عمق التحليل المطلوب،
- مدى تخصيص الدراسة،
- وخبرة الجهة المنفذة.
ومع ذلك، يمكن القول إن متوسط أسعار دراسات الجدوى الاحترافية في السوق غالبًا ما يقع ضمن نطاق يعكس جهدًا تحليليًا حقيقيًا، وليس مجرد إعداد قالب جاهز. فالدراسات الجادة تحتاج إلى وقت، وبحث، ومختصين، وبيانات موثوقة، وكل ذلك له تكلفة طبيعية.
ومن هنا، فإن السعر المتوسط غالبًا ما يكون مؤشرًا مبدئيًا على وجود عمل حقيقي خلف الدراسة.
ليش بعض شركات دراسة الجدوى أسعارهم مرّة رخيصة؟
وهنا نصل إلى نقطة حساسة ومهمة.
في كثير من الأحيان، تُفاجئ بعض الجهات العملاء بأسعار منخفضة بشكل لافت، وهو ما يثير التساؤل: كيف يمكن إعداد دراسة جدوى شاملة بهذا السعر؟
والحقيقة أن الأسباب غالبًا ما تكون واحدة أو أكثر مما يلي:
- استخدام قوالب جاهزة مع تغيير اسم المشروع فقط،
- إعادة تدوير دراسات سابقة دون تحليل جديد،
- الاعتماد على بيانات عامة غير محدثة،
- غياب التحليل الميداني للسوق،
- أو حتى الاستعانة بكتابة آلية دون مراجعة بشرية متخصصة.
وبالتالي، فإن السعر المنخفض لا يكون نتيجة كفاءة عالية، بل في كثير من الأحيان نتيجة تقليص خطير في جودة المحتوى والتحليل.
متى يكون السعر الرخيص خطرًا على المشروع؟
في الواقع، يصبح السعر الرخيص خطرًا حقيقيًا عندما:
- يُبنى القرار الاستثماري بالكامل على الدراسة،
- أو تُستخدم الدراسة للحصول على تمويل أو شريك،
- أو تُعتمد كمرجع للتخطيط والتنفيذ.
ففي هذه الحالات، فإن أي خطأ في تقدير السوق، أو مبالغة في الإيرادات، أو إغفال للمخاطر، قد يؤدي إلى خسائر كبيرة لاحقًا. والأسوأ من ذلك، أن المستثمر قد لا يكتشف الخلل إلا بعد بدء التنفيذ، أي بعد فوات الأوان.
ومن هنا، فإن اختيار شركة دراسة جدوى بناءً على السعر فقط، دون النظر إلى المنهجية والخبرة، قد يكون قرارًا مكلفًا على المدى المتوسط والطويل.
هل السعر العالي يضمن أن دراسة الجدوى أفضل؟
في المقابل، من المهم أيضًا توضيح أن السعر المرتفع وحده لا يُعد ضمانًا للجودة.
فبعض الجهات قد ترفع أسعارها اعتمادًا على الاسم أو التسويق، دون أن يقابله عمق تحليلي حقيقي.
ولهذا السبب، فإن الحكم الصحيح لا يكون على السعر وحده، بل على:
- محتوى الدراسة،
- ومنهجية التحليل،
- ومستوى التخصيص،
- وفهم طبيعة المشروع،
- وجودة التوصيات النهائية.
بعبارة أخرى، أفضل شركة دراسة جدوى ليست الأرخص، وليست الأغلى بالضرورة، بل هي الأكثر قدرة على تقديم دراسة واقعية، دقيقة، وقابلة للتطبيق.
كيف تختار أفضل شركة دراسة جدوى لمشروعك؟
في ضوء ما سبق، يمكن تلخيص معايير الاختيار السليم في النقاط التالية:
- وضوح المنهجية المستخدمة في إعداد الدراسة،
- وجود خبرة حقيقية في نفس قطاع مشروعك،
- تقديم نماذج أعمال سابقة قابلة للمراجعة،
- القدرة على شرح الأرقام وربطها بالواقع،
- وعدم الاكتفاء بتسليم ملف دون نقاش أو توضيح.
وعلاوة على ذلك، فإن الشريك الجيد في دراسة الجدوى لا يبيع لك التفاؤل، بل يقدّم لك الحقيقة، حتى وإن كانت أقل جاذبية، لأن الهدف النهائي هو اتخاذ قرار استثماري واعٍ، لا مجرد الموافقة على مشروع غير مدروس.
خلاصة القول
في النهاية، يمكن القول إن البحث عن أفضل شركة دراسة جدوى هو في جوهره بحث عن شريك فكري واستثماري، لا مجرد مزود خدمة. فالدراسة الجيدة لا تُقاس بعدد الصفحات، ولا بزخرفة الجداول، بل بقدرتها على دعم القرار، وتقليل المخاطر، ورفع فرص النجاح.
ولهذا، فإن الاختيار الذكي لا يبدأ بالسؤال عن السعر فقط، بل يبدأ بالسؤال الأهم:
هل هذه الجهة قادرة فعلًا على فهم مشروعي، وتحليله كما هو، وليس كما أتمنى أن يكون؟
